عقد على خطاب 9 مارس التاريخي.. حينما وضع الملك محمد السادس المغرب على سكة التحديث والدمقرطة

شكل الخطاب الملكي السامي الذي وجهه الملك محمد السادس إلى الأمة يوم 9 مارس 2011، منعطفا هاما في تاريخ المغرب، إذ أعلن فيه الملك محمد السادس عن مشروع دستور جديد للمغرب و حزمة إصلاحات في شتى الميادين، تفاعل خلالها الملك مع نبض الشارع آنذاك بإيجابية.

قبل عشر سنوات، سارع المغاربة إلى بيوتهم على عجل للاستماع ومشاهدة الخطاب الملكي، خطاب لا يتزامن مع أي مناسبة وطنية أو تاريخية، لكنه سيحدد مسار الديمقراطية في المغرب.

الجملة الأولى من خطاب دام زهاء ربع ساعة، حملت توطئة للإعلان عن مراجعة دستورية شاملة، وتتمثل في ضرورة الشروع في تنزيل مشروع الجهوية الموسعة: “أخاطبك اليوم، بشأن الشروع في المرحلة الموالية، من مسار الجهوية المتقدمة، بما تنطوي عليه من تطوير لنموذجنا الديمقراطي التنموي المتميز، وما تقتضيه من مراجعة دستورية عميقة”، يقول الملك محمد السادس في مستهل ذلك الخطاب.

واعتبر الإعلام هذا الخطاب “ثورة ثانية للملك والشعب” من أجل تعزيز مسلسل بناء المغرب الحديث والديمقراطي، إذ قالت إنه “إذا كانت ثورة المغفور له محمد الخامس وشعبه قد قادت البلاد إلى الحرية، فإن ثورة جلالة الملك محمد السادس وشعبه تقودنا اليوم إلى المجتمع الديمقراطي وإلى تحقيق الشروط الفعلية الثابتة للحداثة السياسية بكل معانيها”.

كلمات الملك محمد السادس في 9 مارس عبرت بشكل واضح عن البعد المستقبلي لخصوصية القرارات التي ستخلق لحظة مغربية بامتياز، لحظة فارقة في الزمن السياسي المغربي عمقت روح الاستثناء العابر للزمن.

وربط الخطاب الملكي الجهوية المتقدمة بالديمقراطية كخطوة تؤسس لوضع تطلعات المجتمع المغربي بمختلف شرائحه ومكوناته الثقافية والإثنية واللغوية في إطار إصلاح شامل وإعادة الاعتبار للثقافة الأمازيغية والعناية بها وتطويرها وتأهيلها باعتبارها مكون أساسي للثقافة المغربية، وأبان متن الخطاب على الوعي السياسي الكامل بأن الجهوية أساس تدعيم التنمية المحلية بموازاة مع تطوير منظومة حقوقية ترعى الخصوصية وتعطي الأمل في تدبير محلي أمثل، جهوية تجعل من التعددية السياسية والثقافية داعمة للوحدة الترابية في حرص تام على تضامن بين هذه الجهات تحقيقياً للتكامل الاقتصادي والتنموي وتوزيعاً سليماً وعادلاً للثروات.

وأقر الدستور كما جاء في الخطاب الملكي تعيين رئيس الحكومة من الحزب السياسي المتصدر لانتخابات مجلس النواب نقطة استراتيجية وقيمة مضافة إلى الممارسة السياسية الديمقراطية المغربية حيث ربط فيها الدستور ممارسة المسؤولية بالمحاسبة، وشكلت تمرينا ديمقراطيا كسب فيه المغرب شوطا كبيرا في تدعيم المسار الديمقراطي الذي اختاره منذ سنين.

أما على الصعيد الاجتماعي، واصل المغرب دعم الفئات الهشة من خلال إطلاق النسخة الثالثة من المباردة الوطنية للتنمية البشرية، و مشروع تعميم الحماية الاجتماعية لجميع المغاربة وإنشاء صندوق محمد السادس للاستثمار الاستراتيجي لتمويل مشاريع ضخمة في ميادين مختلفة.

بعد عشر سنوات من خطاب 9 مارس التاريخي، لاتزال روح هذا الخطاب التجديدية تسري في الحياة السياسية المغربية، ولعل النجاح الدبلوماسي الذي حققه المغرب في قضية الصحراء المغربية لوجه من أوجه هذا التراكم الديمقراطي الذي حققه المغرب، عبر الاعتراف بسيادة المغرب على صحرائه، ونهج سياسية دبلوماسية جديدة في علاقاته مع شركائه في الاتحاد الأوروبي قائمة على الندية و “رابح رابح”، وأصبح بذلك المغرب قوة إقليمية يحسب لها ألف حساب ولعل نتائج الحوار الليبي الذي أشرف عليه المغرب لدليل على قوة دبلوماسيته ومكانته الإقليمية.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*