منذ ان كان الوزير الخلفي في بداية حربه من اجل “ادخال الصحافة لبيت الطاعة ” مستعينا ب”مناضلين نقابيين بارزين ” كنت قد رفضت مسعاه ووصفته بأنه مسعى سيفرغ الفعل الصحفي من محتواه . ويخترقه كما تم اختراق الاحزاب والنقابات وافساد بعض الجمعيات .. وهذا ما تأكد عمليا.
وهكذا فقد اصبح التصوير جريمة والتعبير عن الرأي كذلك .. لقد تم اشتراط حصول الصحفيين على بطاقة مهنية فقط إذا كانوا خريجي معاهد مداس الصحافة . و هذا ما أدى إلى تأثيرات عميقة على المشهد الصحفي في البلاد ..حيث تم حرمانه من القامات التي ساهمت عبر التاريخ في تطوير الصحافة والارتقاء بها .. واذكر هنا بعض الأمثلة ومنها المرحوم محمد باهي صاحب رسالة باريس ومحمد لبريني وعبد الكريم غلاب وعلى يعته ومثلهم كثير من لم يكن صحفيا بالبطاقة.
صحافة البطاقة وصفة الصحفي المهني التي تتردد لاخفاء المقاصد الحقيقية وراء ذلك .. هذه الصحافة ادت الى إقصاء المفكرين وحرمت الصحافة من مساهمات الأدباء و المثقفين والمفكرين ، الذين لعبوا دورًا تاريخيًا في تشكيلها وتطويرها، مما أدى إلى انخفاض الاداء وغياب التنوع الفكري والعمق الثقافي في المحتوى الصحفي. . فهل كان سيسمح للدكتور عابد الجابري ان يعود للعمل الصحفي واصدار مجلة من جديد لو كان بالحياة اليوم في ظل صحافة البطاقة ؟.
ان الصحافة بالبطاقة فقط ولا غير تعني انها مهنة محصورة في فئة معينة من خريجي هذه المدرسة اوتلك..مما اضر كثيرا بحرية التعبير التي تعد أداة لا غنى عنها لاثراء الثقافة واغناء الفكر وتعميقه في احداثنا و قضايانا وقضايا عصرنا .
ان صحافة البطاقة المحصورة ضمن فئة معينة ، ستكون لا محالة سببا في اضعاف حرية التعبير والحد من قدرة الاكاديميين من المساهمة في النقاش وفي تاطير الرأي العام .
وجدير بالذكر كذلك ان البطاقة قد تؤدي الى البيروقراطية والجمود المهني مما يحد من ديناميكية الصحافة التي تعتمد الشهادات بدل الكفاءة الفعلية والقدرة على إنتاج المحتويات المؤثرة التي نجدها بالخصوص في الصحافة الاستقصائية المستقلة وغير المهددة بنزع البطاقة او فقدان المكافئات ان هي قامت بكشف الحقائق و القضايا الهامة .. ولهذا فإن الصحافة الاستقصائية لا تزدهر الا في الدول التي تحمي حرية التعبير .
ان الصحافة لا تزدهر الا اذا بقي المجال مفتوحا أمام المفكرين و الكفاءات وأصحاب الرأي مما يجعلها أكثر تنوعا وحيوية وبعيدة عن المحاباة وخدمة الاجندات بحثا عن الرزق .
محمد الغزاوني….
في 5ابريل 2025.