في تدوينة سابقة بتاريخ من 23دجنبر2024 حول الاحتفال العالمي باليوم العالمي لحقوق الانسان . قمنا بالتذكير بالثوابت التي تركز عليها المجموعة الدولية ، ومنها التزام المجتمع الدولى بتعزيز وحماية حقوق الانسان ، رغم ما في ذلك من نفاق وتضليل تفضحه الممارسات الرهيبة لهذه القوى نفسها عبر العالم .
نعود اليوم ، للتناول السريع للموضوع من زاوية ملامح الوضع الحقوقي في بلادنا الذي يتزامن مع هذه المناسبة العالمية ، و مع ما يظهر وكأنه تبادل الادوار . بين من يخلق الحدث وبين من يستثمر فيه لخدش صورة البلاد …
قبل هذا التناول ، نفضل ان نذكر في البداية بتلك الظروف المضطربة والصعبة التي خلقتها من حولنا احداث “الربيع العربي “والتي أدت الى العبث باستقرار عدة دول .. اذ تم زرع حركات إرهابية عنيفة ، ازدادت معها تهديدات واخطار ، كانت تطالع كل دول المنطقة ،وذلك ضمن مخططات الجغرافية السياسية التي يتحكم فيها كبار واقوياء هذا العالم.
كلنا يتذكر كيف عرفت بلادنا تحت القيادة الحكيمة لجلالة الملك ، ان تحافظ على استقرارها .. اذ انها جعلت من هذه الأحداث فرصة لتحقيق نقلة حقوقية نوعية عبر اعتماد دستور 2011 الذي فتح إمكانية السيربمجتمعنا نحو دولة الحق والقانون ، التي تصان فيها الحقوق وتفتح آفاق المزيد من الحريات ،ومن امكانيات العيش الكريم . وقد رافق ذلك فتح اوراش ملكية كبرى في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبنيات التحتية .
الا انه بعد هذا الانفراج النوعي المتميز ، وخاصة بعد تنصيب الحكومة الحالية ،اخذت في الظهور تقارير وتدوينات تتحدث عن حدوث انتهاكات في حق اصحاب الرأي وللمدونين المنتقدين للفساد .. و اخذنا نسمع ونشاهد تصريحات رسمية، وتهديدات للمجتمع المدني والصحفيين ونشطاء التواصل الاجتماعي . ناهيك عن التدخلات العنيفة ضد المحتجين السلميين مثل ما حدث مثلا مع الأساتذة وطلبة كليات الطب و الصيدلة .وتبادل المواجهة العنيفة اثناء تهديم احياء، وليس فقط مساكن، عشوائية ، بعد ان تكون بنيت في واضحة النهار .
و نسجل تواتر الاحاديث والتدوينات عن استمرار تمترس عقليات عنيدة وممارسات فاسدة ، في مفاصل الإدارة ، والتى تناولتها الانتقادات في العديد من الخطب الملكية السامية . اما العدالة ، فحسب ما يسجل من وقائع ومن احداث وخاصة المتابعات واحكام السجن والتهديد به امام الملأ. ، وتلك القوانين التي يتم تمريرها عبر اغلبية برلمانية معروفة … كلها احداث وممارسات اربكت التوجه نحو الاصلاح الموعود و ادخلته لقاعة الانتظار . والنظام الضريبي تصفه العديد من التحليلات انه غير عادل وغير شفاف . والمدرسة العمومية لا تحضى برضى المغاربة ، وقطاع التربية الوطني لا يزداد الا ارتباكا .والصحة العمومية محط انتقادات لا تعد ولا تحصى وأنها تسير نحو الخوصصة ، وما يرافق ذلك من اتهامات بالفساد .
هذه الاوضاع التي تتهم بأنها تمثل تراجعات غير مقبولة ، وليس لها اي مبرر . تاتي في ظرفية مطبوعة بالتحولات التي تعرفها البنية الديموغرافية للمجتمع المغربي ، والتي تسير به نحو الشيخوخة . وتتزامن مع الاختلالات التي تخترق صناديق وانظمة التقاعد . و تهرب الجهات الوصية من اعلان الأسباب الحقيقة لما الت اليه أوضاع هذه الصناديق. بل والسعي لتحميل الضحايا تبعات وضع لا يد لهم فيه بدل البحث عن حلول متصفة بالابداع و الواقعية . وفي مقدمتها استرجاع اموال الصناديق واجبار المشغلين باداء ما بذمتهم من اموال مستحقة للصناديق ووقف كل عبث او تبذير لاموال صناديق التقاعد …
ان الاستمرار في هذا النهج اتجاه التقاعد والمتقاعدين من شأنه المساهمة في توسيع دائرة الفقر في البلاد وارباك التنمية الاقتصادية والاجتماعية لفائدة مكاسب مالية مؤقتة التاثير و لا فائدة ترجى من نتائجها . على الاقل على المدى المتوسط .
ان ملامح الوضع الراهن في مجال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والحريات والذي توثقه العديد من التحليلات ، يمثل تراجعات غير مقبولة وهي ليست قضاءا وقدرا لا يمكن تلافيه و انها لا تتلاءم مع ما حققته بلادنا من معالجتها المتميزة للارث الذي تراكم خلال ” سنوات الرصاص” واحداث هيئة ” الانصاف و المصالحة “وما أنجز في مجال جبر الضرر ومراجعة النظام القضائي واصلاح مساطر الاعتقال والتحقيق ، وجعلها أكثر إنسانية . وتم تحويل مراكز التعذيب لمتاحف لحفظ الذاكرة .
وهكذا فإن الروح الوطنية والغيرة على البلاد ، تلزمنا بالتعيير . مهما كانت العواقب. عن تحذيرنا من الاستمرار في هذه التراجعات التي يسجلها المتتبعون والتي لا يمكن قبولها باي حال من الأحوال .. خاصة واننا اصبحنا نسمع ونشاهد ، تصريحات اطراف حكومية ، تعبر علنا ، عن مواقف و تهديدات معلنة لتخويف المغاربة ، و غير خاف على احد ان هذا النهج يسيء لمكانة المغرب الذي يترأس الآلية الأممية لحقوق الانسان. ولايحترم المكاسب التي حققها المغرب في المجال الحقوقي منذ ان تربع جلالة الملك محمد السادس على عرش المملكة المغربية الشريفة .
ان اعداء المغرب ، بدوافع سياسية وخلفيات ارتزاقية . تتلقف ما تجود به السياسات الحكومية، وممارسات وتصريحات اقطابها لتستثمر فيه و تتحجج به للاساءة لبلادنا . وكاننا امام تبادل للادوار بين الطرفين ، رغم تباين المواقع .
ان وضع حد لهذا التوتر والارتباك ، وهذا العبث والتلاسن بين الأطراف السياسية المغربية على خلفية هذا الوضع ، لا يتطلب الا الإرادة الوطنية الصادقة ، وإعادة ترتيب الاولويات .