في الوقت الي يحقق المغرب ، تحت قيادة جلالة الملك حفظه الله ،الانتصارات الديبلوماسية الكبرى في ملف الوحدة الترابية للمملكة ، ويحقق المنجزات التنموية الباهرة في الأقاليم الجنوبية المسترجعة ، حتى اصبحت هذه الأقاليم نقطة استقطاب للاستثمارات الوطنية والاجنبية و حلقة وصل انساني واقتصادي مع افريقيا بالخصوص … فاننا لا نجد لا ما يواكب هذه الانتصارات ولا ما يؤكد بان هناك بحثا عن افضل السبل وأكثرها إبداعا، لتفعيل وتنزيل وبلورة المشاريع والبرامج والتوجيهات الملكية السامية …بل أحيانا نشك في ان يكون هناك خلل ما في هذا الشأن ؛ بل ان هناك اجهازا ظاهرا على المكتسبات، في التقاعد والتعاضد ، ناهيك عن التراجعات في مجال الحقوق والحريات بما رافقه من تكييف للتهم وتحريك للمتابعات والمحاكمات ، ومهاجمة ادوار جمعيات المجتمع المدني الني ينص عليها الدستور المغربي .
ولعل قوانين المسطرة المدنية الجديدة كانت أخطر القضايا التي استقطبت كما هائلا من التجاذبات والمطارحات وتبادل التهم ، داخل البرلمان وخارجه ،وعبر وسائل التواصل الاجتماعي. فالحكومة تتشبث بتمرير هذ المسطرة عبر اغلبيتها البرلمانية ، والحال انها لم تمررها الا باصوات حوالي 104 برلماني من الغرفة الاولى. ..وهو رقم لا يصل حتى الى ثلث اعضاء البرلمان المغربي .. وهذا ما جعل هذا التمرير ضعيف الشرعية . اما من حيث المضمون ، فإن الأوصاف التي تستخدمها الحكومة لتلميع مضامين هذه المسطرة، فهي أوصاف لا تجد لها معنى في النص المكتوب . ولا نحتاج إلى كبير عناء لإثبات ذلك. فيكفي ان نذكر بعض الأمثلة من القوانين التي تنص عليها هذه المسطرة، لنتأكد بانها تتضمن عكس ما توصف به تماما. (فشتان مابين المفهوم والماصدق كما يقول المناطقة )
انها تنص على مراجعات خطيرة ، وتقليص كبير في للحق في ولوج العدالة. ويتبين ذلك بوضوح من خلال بعض الأمثلة المذكورة فيما يلي:
1- يد النيابة العامة مطلقة الطعن في الأحكام وقتما تشاء . دون التقيد بأي أجل. وغير خاف ما يمثل ذلك من أخطار على الحقوق وعلى الاستثمار.
2- لا يحق للمتقاضي ان يطعن بالاستئناف في القضايا التي لا تتجاوز قيمتها مبلغ حوالى 40.000 درهم ولا يحق كذلك الطعن بالنقض في القضايا التي لا تتجاوز قيمتها 80000 درهم . وان النقض يتطلب دفع مبلغ مالي لصندوق المحكمة يصل 5000 درهم .
3- في حالة اذا ما كانت حجج المتقاضي غير كافية وغير مقنعة في نظر المحكمة فانه سيكون في حالة متابعة بغرامة عقابية مبلغها 10000درهم .
4- اصبح المتقاضي مطالبا بأداء 20% كضريبة على القيمة المضافة حسب مبلغ أتعاب المحامي الى جانب رسوم أخرى. ..
كان ذلك بعضا مما تضمنته المسطرة المدنية التي طال امد النقاش حولها ، وأخذ يبتعد عن جادة الصواب، وأحيانا وصل حد تبادل الاتهامات الى حد الاقتراب من التشهير .وقد وصلت الامور الى ما نحن عليه الان من الشلل الذي أصاب المحاكم .
ان الامر اصبح على درجة غير مقبولة بمحاكم المملكة . ولا يعقل ان تترك الامور تتدهور ، و نحن لا ندري الى اين ستتجه . ولهذا ، فاننا نعتقد بان الوضع في حاجة مستعجلة للاحتواء. وذلك بتدخل قوي لإيجاد حلول وسطى . لا لإرضاء هذا الطرف آو ذاك بل لمصلحة البلاد اولا و وضع حد لهدر الزمن وتعطيل الحقوق .
لقد سمعنا مؤخرا بعض الدعوات للوساطة ..و هو امر محمود ومطلوب .لكن هذه الوساطة لتكون فعالة فلا يجب ان تسند للبرلمان كما أشار السيد وزير العدل. فكما يعلم الجميع ان البرلمان توجد فيه اغلبية تتحدث بلغة الحكومة وأحيانا نيابة عنها . وأنها هي من مرر المسطرة موضوع الرفض ،. فمن أجل وساطة ذات مردودية يتعين ان تقوم بها جهة على قدر كاف من التقدير ، عبر آلية تتوفر لها الكفاءات ذات المؤهلات ورجاحة العقل الى جانب اعتماد المرجعيات الملزمة .. مثل وسيط المملكة وأساتذة جامعيين مشهود لهم بالكفاءة والموضوعية وهكذا ..
فالامر يتعلق بقضايا التشريع لأمور على درجة كبيرة من الأهمية والخطورة، فهي ذات تأثير شامل يمس حياة الناس وحقوقهم وحرياتهم . ويمس صورة البلاد وسمعتها . فماذا ننتظر . فهل أصيبت عقولنا بالعقم او ان الحكمة هجرت ديارنا ؟ .